الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله ، ثم أما بعد :-
يلهث الكثير ممن استهوته الشياطين بالطعن في معاوية رضي الله عنه ، وإن لم
يطعن قلل من شأنه بأن يسمه بأنه من مسلمة الفتح وأنه من الطلقاء إلى غيرها
من الأمور .. حتى وصل بالبعض منهم إلى أن يتوقف في شأنه و يعرضه على ميزان
الجرح والتعديل .. ناسياً أو متناسياً أنه من صحابة رسول الله صلى الله
عليه وسلم ، وأن الأمة قد أجمعت على تعديلهم دون استثناء من لابس الفتن
منهم و من قعد .. و لم يخالف في ذلك إلا شذوذ من المبتدعة . انظر حول
عدالة الصحابة : الاستيعاب لابن عبد البر (1/19) و فتح المغيث (3/103) و
شرح الألفية للعراقي (3/13-14) والإصابة (1/9) و مقدمة ابن الصلاح (ص 147)
والباعث الحثيث (ص 181-182) وشرح النووي على صحيح مسلم (15/149) والتقريب
للنووي (2/214) والمستصفى للغزالي (ص 189-190 ) وفي غيرها من الكتب .
ذكر النووي في شرح صحيح مسلم (8/231) و ابن القيم في زاد المعاد (2/126)
أن معاوية رضي الله عنه من مسلمة الفتح ، أي أنه أسلم سنة ( 8 هـ ) ، في
حين ذكر أبو نعيم الأصبهاني كما في معرفة الصحابة (5/2496) و الذهبي كما
في تاريخ الإسلام - عهد معاوية - ( ص 308) أنه أسلم قبيل الفتح .
ومرد الاختلاف بين المصادر حول تاريخ إسلام معاوية رضي الله عنه يعود إلى
كون معاوية كان يخفي إسلامه ، كما ذكر ذلك ابن سعد في الطبقات (1/131) ،
وهو ما جزم به الذهبي ، حيث قال : أسلم قبل أبيه في عمرة القضاء أي في سنة
( 7 هـ ) وبقي يخاف من الخروج إلى النبي صلى الله عليه وسلم من أبيه ..
وأظهر إسلامه عام الفتح . انظر : تاريخ الإسلام عهد معاوية ( ص 308) .
وبعد
هذا هل يبقى مطعن في معاوية رضي الله عنه من كونه من مسلمة الفتح وليس في
ذلك مطعن - . وإن سلمنا بأنه من مسلمة الفتح ؛ فهل هذا يقلل من شأن صحبته
رضي الله عنه ؟!
و لمن لا يعرف معاوية جيداً أعرّفه به
: إن معاوية رضي الله عنه كان من كتاب الوحي ، و من أفضل الصحابة و أصدقهم
لهجة و أكثرهم حلماً فكيف يعتقد أن يقاتل الخليفة الشرعي و يهرق دماء
المسلمين من أجل ملك زائل ، و هو القائل : والله لا أخير بين أمرين ، بين
الله و بين غيره إلا اخترت الله على سواه . سير أعلام النبلاء للذهبي
(3/151) .
وقد أفرد ابن أبي الدنيا وأبو بكر بن أبي عاصم تصنيفاً في حلم معاوية رضي
الله عنه ، ولعل هذا من بركة دعاء الرسول صلى الله عليه وسلم لمعاوية .
انظر : تاريخ الإسلام للذهبي عهد معاوية ( ص 315) .
روى الترمذي في فضائل معاوية أنه لما تولى أمر الناس كانت نفوسهم لا تزال
مشتعلة عليه ، فقالوا كيف يتولى معاوية و في الناس من هو خير مثل الحسن و
الحسين . قال عمير و هو أحد الصحابة : لا تذكروه إلا بخير فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : اللهم اجعله هادياً مهدياً و اهد به
. رواه الإمام أحمد في المسند (4/216) و صححه الألباني في صحيح سنن
الترمذي (3/236) . و زاد الإمام الآجري في كتابه الشريعة (5/2436-2437)
لفظة : ( ولا تعذبه ) . إسناده صحيح .
و أخرج الإمام أحمد ، عن العرباض بن سارية رضي الله عنه قال : سمعت رسول
الله صلى الله عليه وسلم يقول : اللهم علم معاوية الكتاب و قه العذاب .
فضائل الصحابة (2/913) إسناده حسن .
و أخرج أبو داود و البخاري في الأدب المفرد من طريق أبي مجلز قال : خرج
معاوية على ابن الزبير و ابن عامر ، فقام ابن عامر و جلس ابن الزبير ،
فقال معاوية لابن عامر : اجلس فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم
يقول : من أحب أن يتمثل له الرجال قياماً فليتبوأ مقعده من النار . سنن
أبي داود (5/398) و الأدب المفرد (ص 339) ، الشريعة للآجري (5/2464) .
و أخرج ابن كثير في البداية والنهاية بسند صحيح ، أن معاوية رضي الله عنه
، كان إذا لقي الحسن بن علي رضي الله عنهما قال : مرحباً بابن رسول الله
وأهلاً ، و يأمر له بثلاثمائة ألف ، و يلقى ابن الزبير رضي الله عنه فيقول
: مرحباً بابن عمة رسول الله وابن حواريه ، ويأمر له بمئة ألف . البداية
والنهاية (8/137) .
و أخرج الآجري عن الزهري قال : لما قتل علي بن أبي طالب رضي الله عنه و
جاء الحسن بن علي رضي الله عنهما إلى معاوية ، فقال له معاوية : لو لم يكن
لك فضل على يزيد إلا أن أمك من قريش و أمه امرأة من كلب ، لكان لك عليه
فضل ، فكيف و أمك فاطمة بنت رسول صلى الله عليه وسلم ؟! . أنظر كتاب
الشريعة (5/2469-2470) إسناده حسن .
و فضائل معاوية رضي الله عنه كثيرة ثابتة عموماً و خصوصاً ، فبالإضافة إلى ما ذكرت ، أورد شيئاً منها ..
فأما العموم .. فلما رواه البخاري ومسلم من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه مرفوعاً ( لا تسبوا أصحابي فلو أن أحدكم أنفق مثل أحد ذهباً ما بلغ مد أحدهم ولانصيفه ) .
وأهل العلم مجمعون قاطبة على أن معاوية من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم
، ولا شك أنه داخل في عموم هذا النص ، فمن سبه أو طعن فيه آثم بلا ريب بل
سب الصحابة رضي الله عنهم من الكبائر .
وأما خصوصاً .. فلما رواه مسلم من حديث ابن عباس قال : كنت ألعب مع
الصبيان فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فتواريت خلف باب ، فجاء فحطأني
حطأة وقال : اذهب وادع لي معاوية ، قال : فجئت فقلت هو يأكل ، قال : ثم
قال لي : اذهب فادع لي معاوية ، قال : فجئت فقلت : هو يأكل ، فقال : لا
اشبع الله بطنه .
قال الحافظ الذهبي في التذكرة (2/699) : لعل هذه منقبة لمعاوية لقول النبي
صلى الله عليه وسلم : اللهم من لعنته أو شتمته فاجعل ذلك له زكاة و رحمة .
وقال الإمام النووي رحمه الله في شرح صحيح مسلم (16/156) : قد فهم مسلم
رحمه الله من هذا الحديث أن معاوية لم يكن مستحقاً للدعاء عليه ، فلهذا
أدخله في هذا الباب ، وجعله من مناقب معاوية لأنه في الحقيقة يصير دعاءً
له .
قلت : وهذا الحديث أخرجه مسلم تحت الأحاديث التي تندرج تحت باب من لعنه
النبي صلى الله عليه وسلم أو سبه أو دعا عليه ، وليس هو أهلاً لذلك كان له
زكاة وأجراً و رحمة .
ومن
فضائله ما قاله ابن عباس رضي الله عنه : ما رأيت رجلاً كان أخلق للملك من
معاوية ، كان الناس يردون منه على أرجاء واد رحب ، و لم يكن بالضيق الحصر
العصعص المتغضب . رواه عبد الرزاق في المصنف (برقم 20985) بسند صحيح . إلى غيرها من الفضائل ..
أما ما يتشدق به البعض من نقلهم عن اسحاق بن راهوية أنه قال : ( لا يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم في فضل معاوية شيء ) .
فلا يثبت عنه ، فقد أخرج الحاكم كما في السير للذهبي (3/132) والفوائد
المجموعة للشوكاني ( ص 407) عن الأصم أبي العباس محمد بن يعقوب الأصم
حدثنا أبي ، سمعت ابن راهوية فذكره . و في الفوائد : سقطت ( حدثنا أبي ) ،
و هي ثابتة فالأصم لم يسمع من ابن راهوية .
قلت : يعقوب بن يوسف بن معقل أبو الفضل النيسابوري والد الأصم مجهول الحال
، فقد ترجمة الخطيب في تاريخه (14/286) فما زاد على قوله : قدم بغداد وحدث
بها عن إسحاق بن راهوية ، روى عنه محمد بن مخلد .
ولم يذكر فيه جرحاً ولا تعديلاً ، وله ذكر في ترجمة ابنه من السير
(15/453) ولم يذكر فيه الذهبي أيضاً جرحاً ولا تعديلاً ، وذكر في الرواة
عنه عبد الرحمن بن أبي حاتم ، ولم أجده في الجرح والتعديل ، ولا في الثقات
ابن حبان . و بهذا فإن هذا القول ضعيف لم يثبت عن إسحاق بن راهوية رحمه
الله .
و الذين لا يعرفون سيرة معاوية يستغربون إذا قلت لهم بأنه كان من الزاهدين
و الصفوة الصالحين ، روى الإمام أحمد بسنده إلى علي بن أبي حملة عن أبيه
قال : رأيت معاوية على المنبر بدمشق يخطب الناس و عليه ثوب مرقوع . كتاب
الزهد (ص 172) .
و أخرج ابن كثير عن يونس بن ميسر الزاهد - و هو أحد شيوخ الإمام الأوزاعي
- قال : رأيت معاوية في سوق دمشق و هو مردف وراءه وصيفاً و عليه قميص
مرقوع الجيب و يسير في أسواق دمشق . البداية و النهاية (8/134) .
و قد أوردت هذه الأمثلة ليعلم الناس أن الصورة الحقيقية لمعاوية تخالف
الصورة المكذوبة التي كان أعداؤه و أعداء الإسلام يصورونه بها ، فمن شاء
بعد هذا أن يسمي معاوية خليفة ، أو أمير المؤمنين ، فإن سليمان بن مهران -
الأعمش - و هو من الأئمة الأعلام الحفاظ كان يسمى بالمصحف لصدقه ، كاد
يفضل معاوية على عمر بن عبد العزيز حتى في عدله .
و من لم يملأ - أمير المؤمنين - معاوية عينه ، و أراد أن يضن عليه بهذا
اللقب ، فإن معاوية مضى إلى الله عز وجل بعدله و حلمه و جهاده و صالح عمله
، وكان و هو في دنيانا لا يبالي أن يلقب بالخليفة أو الملك . انظر حاشية
محب الدين الخطيب على العواصم من القواصم (ص 217) .
و ذكر ابن العربي في كتابه العواصم أنه دخل بغداد و أقام فيها زمن
العباسيين و المعروف أن بين بني العباس و بني أمية ما لا يخفى على الناس ،
فوجد مكتوباً على أبواب مساجدها خير الناس بعد رسول الله صلى الله عليه
وسلم أبو بكر ثم عمر ثم عثمان ثم علي ثم معاوية خال المؤمنين رضي الله
عنهم أجمعين . العواصم من القواصم (ص 229-230) .
و قد سئل عبد الله بن المبارك ، أيهما أفضل : معاوية بن أبي سفيان ، أم عمر بن عبد العزيز ؟
فقال : و الله إن الغبار الذي دخل في أنف معاوية مع رسول الله صلى الله
عليه وسلم أفضل من عمر بألف مرة ، صلى معاوية خلف رسول الله صلى الله عليه
وسلم ، فقال : سمع الله لمن حمده ، فقال معاوية : ربنا ولك الحمد . فما
بعد هذا ؟ وفيات الأعيان ، لابن خلكان (3 /33) ، و بلفظ قريب منه عند
الآجري في كتابه الشريعة (5/2466) .
و أخرج الآجري بسنده إلى الجراح الموصلي قال : سمعت رجلاً يسأل المعافى بن
عمران فقال : يا أبا مسعود ؛ أين عمر بن عبد العزيز من معاوية بن أبي
سفيان ؟! فرأيته غضب غضباً شديداً و قال : لا يقاس بأصحاب محمد صلى الله
عليه وسلم أحد ، معاوية رضي الله عنه كاتبه و صاحبه و صهره و أمينه على
وحيه عز وجل . كتاب الشريعة للآجري ( 5/2466-2467) شرح السنة لللالكائي ،
برقم (2785) . بسند صحيح .
و كذلك أخرج الآجري بسنده إلى أبو أسامة ، قيل له : أيهما أفضل معاوية أو عمر بن عبد العزيز ؟
فقال : أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يقاس بهم أحد . كتاب الشريعة (5/2465-2466) بسند صحيح ، و كذلك أخرج نحوه الخلال في السنة ، برقم (666) .
و قد قال عبد الله بن المبارك رحمه الله : معاوية عندنا محنة ، فمن رأيناه
ينظر إليه شزراً اتهمناه على القوم ، يعني الصحابة . انظر البداية
والنهاية لابن كثير (8/139) .
و سئل الإمام أحمد : ما تقول رحمك الله فيمن قال : لا أقول إن معاوية كاتب
الوحي ، ولا أقول إنه خال المؤمنين فإنه أخذها بالسيف غصباً ؟
قال أبو عبد الله : هذا قول سوء رديء ، يجانبون هؤلاء القوم ، ولا يجالسون
، و نبين أمرهم للناس . انظر : السنة للخلال (2/434) بسند صحيح .
وقال الربيع بن نافع الحلبي ( ت 241 هـ ) رحمه الله : معاوية ستر لأصحاب
محمد صلى الله عليه وسلم ، فإذا كشف الرجل الستر اجترأ على ما وراءه .
البداية والنهاية (8/139) .
فوائد ..
قال محب الدين الخطيب رحمه الله : سألني مرة أحد شباب المسلمين ممن يحسن
الظن برأيي في الرجال ما تقول في معاوية ؟ فقلت له : و من أنا حتى اسأل عن
عظيم من عظماء هذه الأمة ، و صاحب من خيرة أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم
، إنه مصباح من مصابيح الإسلام ، لكن هذا المصباح سطع إلى جانب أربع شموس
ملأت الدنيا بأنوارها فغلبت أنوارها على نوره . حاشية محب الدين الخطيب
على كتاب العواصم من القواصم ( ص 95) .
و قبل أن أختم ، أورد رأياً طريفاً للمؤرخ العلامة ابن خلدون في اعتبار
معاوية من الخلفاء الراشدين فقد قال : إن دولة معاوية و أخباره كان ينبغي
أن تلحق بدول الخلفاء الراشدين و أخبارهم ، فهو تاليهم في الفضل والعدالة
والصحبة . أنظر هذا القول في العواصم من القواصم ( ص 213) .
و ما ضر المسك معاوية عطره ، أن مات من شمه الزبال والجعل .. رغم أنف من أبى ..
يلهث الكثير ممن استهوته الشياطين بالطعن في معاوية رضي الله عنه ، وإن لم
يطعن قلل من شأنه بأن يسمه بأنه من مسلمة الفتح وأنه من الطلقاء إلى غيرها
من الأمور .. حتى وصل بالبعض منهم إلى أن يتوقف في شأنه و يعرضه على ميزان
الجرح والتعديل .. ناسياً أو متناسياً أنه من صحابة رسول الله صلى الله
عليه وسلم ، وأن الأمة قد أجمعت على تعديلهم دون استثناء من لابس الفتن
منهم و من قعد .. و لم يخالف في ذلك إلا شذوذ من المبتدعة . انظر حول
عدالة الصحابة : الاستيعاب لابن عبد البر (1/19) و فتح المغيث (3/103) و
شرح الألفية للعراقي (3/13-14) والإصابة (1/9) و مقدمة ابن الصلاح (ص 147)
والباعث الحثيث (ص 181-182) وشرح النووي على صحيح مسلم (15/149) والتقريب
للنووي (2/214) والمستصفى للغزالي (ص 189-190 ) وفي غيرها من الكتب .
ذكر النووي في شرح صحيح مسلم (8/231) و ابن القيم في زاد المعاد (2/126)
أن معاوية رضي الله عنه من مسلمة الفتح ، أي أنه أسلم سنة ( 8 هـ ) ، في
حين ذكر أبو نعيم الأصبهاني كما في معرفة الصحابة (5/2496) و الذهبي كما
في تاريخ الإسلام - عهد معاوية - ( ص 308) أنه أسلم قبيل الفتح .
ومرد الاختلاف بين المصادر حول تاريخ إسلام معاوية رضي الله عنه يعود إلى
كون معاوية كان يخفي إسلامه ، كما ذكر ذلك ابن سعد في الطبقات (1/131) ،
وهو ما جزم به الذهبي ، حيث قال : أسلم قبل أبيه في عمرة القضاء أي في سنة
( 7 هـ ) وبقي يخاف من الخروج إلى النبي صلى الله عليه وسلم من أبيه ..
وأظهر إسلامه عام الفتح . انظر : تاريخ الإسلام عهد معاوية ( ص 308) .
وبعد
هذا هل يبقى مطعن في معاوية رضي الله عنه من كونه من مسلمة الفتح وليس في
ذلك مطعن - . وإن سلمنا بأنه من مسلمة الفتح ؛ فهل هذا يقلل من شأن صحبته
رضي الله عنه ؟!
و لمن لا يعرف معاوية جيداً أعرّفه به
: إن معاوية رضي الله عنه كان من كتاب الوحي ، و من أفضل الصحابة و أصدقهم
لهجة و أكثرهم حلماً فكيف يعتقد أن يقاتل الخليفة الشرعي و يهرق دماء
المسلمين من أجل ملك زائل ، و هو القائل : والله لا أخير بين أمرين ، بين
الله و بين غيره إلا اخترت الله على سواه . سير أعلام النبلاء للذهبي
(3/151) .
وقد أفرد ابن أبي الدنيا وأبو بكر بن أبي عاصم تصنيفاً في حلم معاوية رضي
الله عنه ، ولعل هذا من بركة دعاء الرسول صلى الله عليه وسلم لمعاوية .
انظر : تاريخ الإسلام للذهبي عهد معاوية ( ص 315) .
روى الترمذي في فضائل معاوية أنه لما تولى أمر الناس كانت نفوسهم لا تزال
مشتعلة عليه ، فقالوا كيف يتولى معاوية و في الناس من هو خير مثل الحسن و
الحسين . قال عمير و هو أحد الصحابة : لا تذكروه إلا بخير فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : اللهم اجعله هادياً مهدياً و اهد به
. رواه الإمام أحمد في المسند (4/216) و صححه الألباني في صحيح سنن
الترمذي (3/236) . و زاد الإمام الآجري في كتابه الشريعة (5/2436-2437)
لفظة : ( ولا تعذبه ) . إسناده صحيح .
و أخرج الإمام أحمد ، عن العرباض بن سارية رضي الله عنه قال : سمعت رسول
الله صلى الله عليه وسلم يقول : اللهم علم معاوية الكتاب و قه العذاب .
فضائل الصحابة (2/913) إسناده حسن .
و أخرج أبو داود و البخاري في الأدب المفرد من طريق أبي مجلز قال : خرج
معاوية على ابن الزبير و ابن عامر ، فقام ابن عامر و جلس ابن الزبير ،
فقال معاوية لابن عامر : اجلس فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم
يقول : من أحب أن يتمثل له الرجال قياماً فليتبوأ مقعده من النار . سنن
أبي داود (5/398) و الأدب المفرد (ص 339) ، الشريعة للآجري (5/2464) .
و أخرج ابن كثير في البداية والنهاية بسند صحيح ، أن معاوية رضي الله عنه
، كان إذا لقي الحسن بن علي رضي الله عنهما قال : مرحباً بابن رسول الله
وأهلاً ، و يأمر له بثلاثمائة ألف ، و يلقى ابن الزبير رضي الله عنه فيقول
: مرحباً بابن عمة رسول الله وابن حواريه ، ويأمر له بمئة ألف . البداية
والنهاية (8/137) .
و أخرج الآجري عن الزهري قال : لما قتل علي بن أبي طالب رضي الله عنه و
جاء الحسن بن علي رضي الله عنهما إلى معاوية ، فقال له معاوية : لو لم يكن
لك فضل على يزيد إلا أن أمك من قريش و أمه امرأة من كلب ، لكان لك عليه
فضل ، فكيف و أمك فاطمة بنت رسول صلى الله عليه وسلم ؟! . أنظر كتاب
الشريعة (5/2469-2470) إسناده حسن .
و فضائل معاوية رضي الله عنه كثيرة ثابتة عموماً و خصوصاً ، فبالإضافة إلى ما ذكرت ، أورد شيئاً منها ..
فأما العموم .. فلما رواه البخاري ومسلم من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه مرفوعاً ( لا تسبوا أصحابي فلو أن أحدكم أنفق مثل أحد ذهباً ما بلغ مد أحدهم ولانصيفه ) .
وأهل العلم مجمعون قاطبة على أن معاوية من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم
، ولا شك أنه داخل في عموم هذا النص ، فمن سبه أو طعن فيه آثم بلا ريب بل
سب الصحابة رضي الله عنهم من الكبائر .
وأما خصوصاً .. فلما رواه مسلم من حديث ابن عباس قال : كنت ألعب مع
الصبيان فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فتواريت خلف باب ، فجاء فحطأني
حطأة وقال : اذهب وادع لي معاوية ، قال : فجئت فقلت هو يأكل ، قال : ثم
قال لي : اذهب فادع لي معاوية ، قال : فجئت فقلت : هو يأكل ، فقال : لا
اشبع الله بطنه .
قال الحافظ الذهبي في التذكرة (2/699) : لعل هذه منقبة لمعاوية لقول النبي
صلى الله عليه وسلم : اللهم من لعنته أو شتمته فاجعل ذلك له زكاة و رحمة .
وقال الإمام النووي رحمه الله في شرح صحيح مسلم (16/156) : قد فهم مسلم
رحمه الله من هذا الحديث أن معاوية لم يكن مستحقاً للدعاء عليه ، فلهذا
أدخله في هذا الباب ، وجعله من مناقب معاوية لأنه في الحقيقة يصير دعاءً
له .
قلت : وهذا الحديث أخرجه مسلم تحت الأحاديث التي تندرج تحت باب من لعنه
النبي صلى الله عليه وسلم أو سبه أو دعا عليه ، وليس هو أهلاً لذلك كان له
زكاة وأجراً و رحمة .
ومن
فضائله ما قاله ابن عباس رضي الله عنه : ما رأيت رجلاً كان أخلق للملك من
معاوية ، كان الناس يردون منه على أرجاء واد رحب ، و لم يكن بالضيق الحصر
العصعص المتغضب . رواه عبد الرزاق في المصنف (برقم 20985) بسند صحيح . إلى غيرها من الفضائل ..
أما ما يتشدق به البعض من نقلهم عن اسحاق بن راهوية أنه قال : ( لا يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم في فضل معاوية شيء ) .
فلا يثبت عنه ، فقد أخرج الحاكم كما في السير للذهبي (3/132) والفوائد
المجموعة للشوكاني ( ص 407) عن الأصم أبي العباس محمد بن يعقوب الأصم
حدثنا أبي ، سمعت ابن راهوية فذكره . و في الفوائد : سقطت ( حدثنا أبي ) ،
و هي ثابتة فالأصم لم يسمع من ابن راهوية .
قلت : يعقوب بن يوسف بن معقل أبو الفضل النيسابوري والد الأصم مجهول الحال
، فقد ترجمة الخطيب في تاريخه (14/286) فما زاد على قوله : قدم بغداد وحدث
بها عن إسحاق بن راهوية ، روى عنه محمد بن مخلد .
ولم يذكر فيه جرحاً ولا تعديلاً ، وله ذكر في ترجمة ابنه من السير
(15/453) ولم يذكر فيه الذهبي أيضاً جرحاً ولا تعديلاً ، وذكر في الرواة
عنه عبد الرحمن بن أبي حاتم ، ولم أجده في الجرح والتعديل ، ولا في الثقات
ابن حبان . و بهذا فإن هذا القول ضعيف لم يثبت عن إسحاق بن راهوية رحمه
الله .
و الذين لا يعرفون سيرة معاوية يستغربون إذا قلت لهم بأنه كان من الزاهدين
و الصفوة الصالحين ، روى الإمام أحمد بسنده إلى علي بن أبي حملة عن أبيه
قال : رأيت معاوية على المنبر بدمشق يخطب الناس و عليه ثوب مرقوع . كتاب
الزهد (ص 172) .
و أخرج ابن كثير عن يونس بن ميسر الزاهد - و هو أحد شيوخ الإمام الأوزاعي
- قال : رأيت معاوية في سوق دمشق و هو مردف وراءه وصيفاً و عليه قميص
مرقوع الجيب و يسير في أسواق دمشق . البداية و النهاية (8/134) .
و قد أوردت هذه الأمثلة ليعلم الناس أن الصورة الحقيقية لمعاوية تخالف
الصورة المكذوبة التي كان أعداؤه و أعداء الإسلام يصورونه بها ، فمن شاء
بعد هذا أن يسمي معاوية خليفة ، أو أمير المؤمنين ، فإن سليمان بن مهران -
الأعمش - و هو من الأئمة الأعلام الحفاظ كان يسمى بالمصحف لصدقه ، كاد
يفضل معاوية على عمر بن عبد العزيز حتى في عدله .
و من لم يملأ - أمير المؤمنين - معاوية عينه ، و أراد أن يضن عليه بهذا
اللقب ، فإن معاوية مضى إلى الله عز وجل بعدله و حلمه و جهاده و صالح عمله
، وكان و هو في دنيانا لا يبالي أن يلقب بالخليفة أو الملك . انظر حاشية
محب الدين الخطيب على العواصم من القواصم (ص 217) .
و ذكر ابن العربي في كتابه العواصم أنه دخل بغداد و أقام فيها زمن
العباسيين و المعروف أن بين بني العباس و بني أمية ما لا يخفى على الناس ،
فوجد مكتوباً على أبواب مساجدها خير الناس بعد رسول الله صلى الله عليه
وسلم أبو بكر ثم عمر ثم عثمان ثم علي ثم معاوية خال المؤمنين رضي الله
عنهم أجمعين . العواصم من القواصم (ص 229-230) .
و قد سئل عبد الله بن المبارك ، أيهما أفضل : معاوية بن أبي سفيان ، أم عمر بن عبد العزيز ؟
فقال : و الله إن الغبار الذي دخل في أنف معاوية مع رسول الله صلى الله
عليه وسلم أفضل من عمر بألف مرة ، صلى معاوية خلف رسول الله صلى الله عليه
وسلم ، فقال : سمع الله لمن حمده ، فقال معاوية : ربنا ولك الحمد . فما
بعد هذا ؟ وفيات الأعيان ، لابن خلكان (3 /33) ، و بلفظ قريب منه عند
الآجري في كتابه الشريعة (5/2466) .
و أخرج الآجري بسنده إلى الجراح الموصلي قال : سمعت رجلاً يسأل المعافى بن
عمران فقال : يا أبا مسعود ؛ أين عمر بن عبد العزيز من معاوية بن أبي
سفيان ؟! فرأيته غضب غضباً شديداً و قال : لا يقاس بأصحاب محمد صلى الله
عليه وسلم أحد ، معاوية رضي الله عنه كاتبه و صاحبه و صهره و أمينه على
وحيه عز وجل . كتاب الشريعة للآجري ( 5/2466-2467) شرح السنة لللالكائي ،
برقم (2785) . بسند صحيح .
و كذلك أخرج الآجري بسنده إلى أبو أسامة ، قيل له : أيهما أفضل معاوية أو عمر بن عبد العزيز ؟
فقال : أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يقاس بهم أحد . كتاب الشريعة (5/2465-2466) بسند صحيح ، و كذلك أخرج نحوه الخلال في السنة ، برقم (666) .
و قد قال عبد الله بن المبارك رحمه الله : معاوية عندنا محنة ، فمن رأيناه
ينظر إليه شزراً اتهمناه على القوم ، يعني الصحابة . انظر البداية
والنهاية لابن كثير (8/139) .
و سئل الإمام أحمد : ما تقول رحمك الله فيمن قال : لا أقول إن معاوية كاتب
الوحي ، ولا أقول إنه خال المؤمنين فإنه أخذها بالسيف غصباً ؟
قال أبو عبد الله : هذا قول سوء رديء ، يجانبون هؤلاء القوم ، ولا يجالسون
، و نبين أمرهم للناس . انظر : السنة للخلال (2/434) بسند صحيح .
وقال الربيع بن نافع الحلبي ( ت 241 هـ ) رحمه الله : معاوية ستر لأصحاب
محمد صلى الله عليه وسلم ، فإذا كشف الرجل الستر اجترأ على ما وراءه .
البداية والنهاية (8/139) .
فوائد ..
قال محب الدين الخطيب رحمه الله : سألني مرة أحد شباب المسلمين ممن يحسن
الظن برأيي في الرجال ما تقول في معاوية ؟ فقلت له : و من أنا حتى اسأل عن
عظيم من عظماء هذه الأمة ، و صاحب من خيرة أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم
، إنه مصباح من مصابيح الإسلام ، لكن هذا المصباح سطع إلى جانب أربع شموس
ملأت الدنيا بأنوارها فغلبت أنوارها على نوره . حاشية محب الدين الخطيب
على كتاب العواصم من القواصم ( ص 95) .
و قبل أن أختم ، أورد رأياً طريفاً للمؤرخ العلامة ابن خلدون في اعتبار
معاوية من الخلفاء الراشدين فقد قال : إن دولة معاوية و أخباره كان ينبغي
أن تلحق بدول الخلفاء الراشدين و أخبارهم ، فهو تاليهم في الفضل والعدالة
والصحبة . أنظر هذا القول في العواصم من القواصم ( ص 213) .
و ما ضر المسك معاوية عطره ، أن مات من شمه الزبال والجعل .. رغم أنف من أبى ..
الأربعاء ديسمبر 07, 2011 3:14 pm من طرف الصمت الحـزين
» فتاه عزباء تنام مع شاب ليله كامله فى غرفه واحده
الأربعاء ديسمبر 07, 2011 2:08 pm من طرف الصمت الحـزين
» انا جيييت نورت المنتدى
الأربعاء ديسمبر 07, 2011 2:01 pm من طرف الصمت الحـزين
» (ساقطون بالخط العريض)
السبت ديسمبر 03, 2011 6:51 pm من طرف الصمت الحـزين
» الْحَيــَـآهـ مَدْرَسَهْـ وَالْج ـــرْح أَحَد فُصُولَهَا
السبت ديسمبر 03, 2011 6:33 pm من طرف الصمت الحـزين
» النساء اولاً
السبت ديسمبر 03, 2011 6:22 pm من طرف الصمت الحـزين
» تمسك بخيوط الشمس
الأربعاء أغسطس 17, 2011 7:08 am من طرف admin
» بصمات تبكيني دما لا دمعا
الأربعاء أغسطس 17, 2011 7:04 am من طرف احساس طفلة
» قصة الفيلسوف والديك
الخميس يونيو 16, 2011 1:35 am من طرف admin