معاقبة الطفل الذي يخطئ بالضرب والسب تؤدي غالبا الي اصابة هذا الطفل بحالة من التبلد الذي يتيح له التخلص التدريجي من الشعور بالضيق او الغضب لدي تعرضه للضرب والسب
فنجد ان مثل هذا الطفل الذي يتعرض للسب والشتم بصفة مستمرة يدافع عن نفسه من خلال هذا التبلد. وما يحدث, هو ان الطفل المضروب والمشتوم يتوقف عن القيام بالفعل الخاطئ اثناء ضربه او شتمه, لكنه سرعان ما يعود الي تكرار الخطأ. ويلاحظ ايضا انه قد يصل لدرجة من التبلد تمكنه فيما بعد من ان يستمر في القيام بالخطأ حتي اثناء ضربه وشتمه!
هذا بالنسبة للطفل الذي تسهم السنوات الاولي في تشكيل شخصيته وتحدد مساره في المجتمع والملاحظة ان هذا الاسلوب في التربية منتشر بشكل كبير لدينا. وهو انتشار يسير في خط مواز للخط الرسمي الذي يعمل علي نشر ثقافة مضادة للعنف ومحاربة للقسوة في تربية الصغار. وهناك مئات المؤتمرات والفعاليات التي يتم تنظيمها كل عام تحت شعارات مختلفة يدور جميعها حول حق الطفل في المعاملة الطيبة, والابتعاد كل البعد عن العنف والتعنيف! لكن للاسف ان الخطين يسيران متوازيين وقلما يلتقيان.
والحقيقة ان الاهانة تولد اما التبلد, او العنف, او الغباء, او الانفجار او كل هذه الاشياء مجتمعة. اعتقد ان هذا هو ما يحدث في الشارع المصري منذ سنوات ولانه يحدث علي مدي سنوات طويلة وبطريقة تدريجية, فان المعايش للاوضاع لا يلحظ ما يحدث الا اذا ابتعد بضع سنوات.
مهن هامشية
وفي الاسبوع الماضي, استقبلت شقيقتي التي تعيش خارج مصر منذ سنوات طويلة, وعادت لتمضي بضعة ايام مع الاسرة. وكانت الملاحظة الاولي التي ابدتها تتعلق بالكم الهائل من البشر الذين يعملون في مهن هامشية. فكلما توقفنا بالسيارة لبضع ثوان, قفز عدد كبير من ـ السياس ـ( جمع سايس) لجمع الجباية نظير وقوف السيارة في الشارع, وجميعهم غير تابع لجهة ما, اي انهم لا يعملون في البلدية او الحي او المحليات او حتي الدوليات ـ وهم لا يتحرجون من مد ايديهم لتقاضي ـ ثمن ـ الانتظار في الشارع المملوك للدولة وهم يعللون ذلك بانه رزق من الله.
ولاحظت شقيقتي كذلك الـ نيو لوك ـ الذي طرأ علي جموع العاملين في منظومة الشحاذة. قالت لي وهي غير مصدقة: ـ زمان كان الشحاتون اما مسنون او معاقون ـ حتي لو كانوا يدعون الاعاقة او متمسكنين, اما الان فأراهم في اتم صحة وافضل حال كما تغيرت فئاتهم العمرية, ومواصفاتهم النفسية والاجتماعية ـ وحين سألتها عن مقصدها, قالت انها لا تر اي انكسار في اعينهم فهم يمدون ايديهم بكل عنفوان وقوة, وينظرون الي الناس في اعينهم نظرات مباشرة لا اثر فيها للمسكنة او الحرج.
وقالت ان هذا يعني ان مد اليد الذي كان قبل سنوات محملا بقدر كبير من الاهانة وضياع عزة النفس وانقشاع الإباء شيئا مقبولا تماما ليس هذا فقط, بل ان الشحاذ الذي لا يحظي بالمراد او يحظي بمراد اقل مما يطمح اليه لا يتردد في توجيه كلمات تتراوح بين اللوم والسب الي الشخص المشحوذ منه.
ملحوظة اخري لاحظتها شقيقتي وهي تفشي كلمات السب والشتم بشكل واضح في الشارع, وحتي بين الطبقات الاجتماعية التي كان يفترض فيها الرقي والتربية العالية! يعني مثلا في النوادي الرياضية والاجتماعية الراقية, عادي جدا ان تخترق اذنيك شتمة من العيار الثقيل يتبادلها شابان صديقان علي سبيل الدعابة, او يوجهها شاب لصديقته من باب التلطف.
الشتيمة لا تلتصق
وهنا تذكرت موقفا كنت بطلته قبل ما يزيد علي عشر سنوات. فقد وجه لي احدهم كلمة خارجة اثناء سيري في الشارع وهو ما اعتبرته اهانة بالغة وبالتالي فقد اصررت علي ان اصطحب الشخص الي قسم الشرطة, وهو ما اثار ضحك الواقفين الذين تجمعوا لاغراض مختلفة فمنهم من وقف بغرض التسلية, واخرون جذبهم حب الاستطلاع وربما الاستنطاع, وفريق ثالث تدخل علي الاغلب بحسن نية بغرض اقناعي بان ـ اللي باعمله ده عيب ـ, وذلك من منظور ان الست او البنت المؤدبة حين تتعرض للاهانة او المعاكسة او التحرش عليها ان تنظر في الارض وتمضي قدما وكأن شيئا لم يحدث! ولكني كنت قد عقدت العزم, وخدمني الحظ بان كانت هناك سيارة شرطة تمر بالمصادفة, فاستوقفتها, وشرحت لامين الشرطة في داخلها ما حدث وهو طبعا تعجب بشدة هو الاخر, وظل يسألني اكثر من مرة: ـ يعني هو ما عاملش اي حاجة غير الشتيمة؟! ـ وفعلا توجهنا الي قسم الشرطة, وهناك شرحت للضابط ما حدث, وظل يضحك فترة طويلة, لكنه حاول ان يهدئ من روعي, فقال لي ـ وهي الشتيمة يعني بتلصق؟! ـ فما كان مني الا ان قلت له: ـ ايوه بتلصق!ـ والحقيقة ان الضابط صبر علي, وقال لي محاولا اكمال عملية التهدئة: ـ ده اذا كان كده يبقي زمان العساكر اللي عندي دول انتحروا! ده انا باهريهم كل يوم شتيمة. وعلي فكرة الشتيمة مش دايما بتكون اهانة. يلا فلان تعال هنا! لو انا شتمتك وقلت لك يا ـ كذا يا ابن الكذا ـ هتزعل؟ فرد فلان: ـ لا طبعا يا باشا! ده انا حتي هافرح!ـ
وبغض النظر عما حدث بعد ذلك, الا ان هذا اليوم كان علامة فارقة بالنسبة لي! فقد تربيت في بيت يعتبر السب والشتم اهانة بالغة, ويعتد بعزة النفس والكرامة لاقصي درجة يمكن تخيلها وقد علمنا والدي ووالدتي ان الشتيمة لا تلتصق فقط بصاحبها, بل يمكن ان تقضي عليه, وتدمره ان لم يكن فعليا, فنفسيا.
ألم الإهانة
وحتي نكون صادقين مع انفسنا, علينا ان نسلم بحقيقة مرة واقعة في مصر, وهي ان رؤيتنا للاهانة تغيرت وتبدلت. فتعرض شخص ما للاهانة او الذل لم يعد مسألة موجعة, بل يتم التعامل معها حينا من منطلق ـ الغاية تبرر الوسيلة ـ اي انه اذا كانت الاهانة ستؤدي في نهاية المطاف الي نيل شكل من اشكال المنفعة, فعلي بركة الله.
فمثلا علي سبيل المثال لا الحصر, حين يتردد الواحد منا علي مكتب حكومي لانهاء مصلحة ما, فيجد الموظف اياه متجهما لا يرد علي سلام او كلام, وان رد فمن ـ طرطوفة ـ انفه, وغالبا فإنه يبذل كل ما لديه من جهد لعرقلة المصلحة. وهو يعرف تمام المعرفة أن معاملته السيئة للمواطن الواقف أمامه لن تنتج عنها أي أضرار له, لأن المواطن المذلول لن يجرؤ علي رد الإهانة من باب إللي له حاجة عند الكلب يقول له ياسيدي.
وفي السياق نفسه, فإن صاحب المنصب الكبير أو السلطة المتناهية كثيرا مايتعامل مع المحيطين به من هذا المنطلق. فهو يعتمد علي سطوته وقوته وسلطته في التعامل معهم, ويعرف تماما أن كل من هو أقل منه أو أفقر منه أو أقل سلطة منه لن يجرؤ علي إلحاق الضرر به.
تضاؤل العزة
وللأسف ان تضاؤل حجم عزة النفس وانقشاع مساحة الكرامة أثر بشكل كبير علي المظهر العام للمصريين. فهو لايتجلي فقط في منظومة الشحاذة المتفشية, لكنه يبدو واضحا كذلك من خلال تعامل الناس مع بعضهم البعض. تقف في طابور التذاكر وتدفع قيمتها للموظف, فيكاد الموظف يقذف التذكرة في وجهك. تقف في طابور الخبز وتجد أرغفة الخبز وهي تتراقص امام عينيك بينما البائع يلقي بها الواحد تلو الآخر. وقس علي ذلك كل شيء حتي في البوتيكات ومحلات الملابس, تدفع قيمة ما اشتريت, فتفاجأ بالموظف يلقي بالباقي بطريقة أقل مايمكن ان توصف به هو أنها مهينة ومذلة. والغريب أن كثيرين منا اعتادوا ذلك وكأنه شيء عادي. وأكبر دليل يظهر في الحالات النادرة التي يعترض فيها مواطن علي مثل هذه المعاملة, إذ يفاجأ ببقية المواطنين وهم يؤنبونه لأن مافيش حاجة حصلت وإنه يهيأ له أن الموظف قصد إهانته, وقلما يقف أحد منهم في صف المواطن الذي وقع ضحية الإهانة.
ولايفوتنا في هذا الصدد أن نشير إلي منظومة الضرب علي القفا التي يتعرض لها البعض في الشارع وهي منظومة غير منصوص عليها في أي من القوانين, بما في ذلك قانون الطوارئ ذات نفسه!
تصريحات موجعة
وهناك من الإهانات ما هو مباشر وما هو غير مباشر! فالتصريحات التي تصدر مثلا عن كبار المسئولين بين الحين والآخر ولاتعكس إلا استهانة بعقلياتهم أو تقليل لقدراتهم الفكرية. فهذا شعب غير مستعد للديمقراطية بعد, وذاك تفسير ينم عن قصور شديد في فهم التنمية الاقتصادية والنمو الاقتصادي. فمثل هذه التطورات لا يشعر بها المواطن العادي ولايفهمها, وعليه أن ينتظر بضع سنوات حتي يشعر بها. ومحاولة فهمها أو استعجال حدوثها لاتنم إلا عن قلة معلومات وضحالة في الفكر.
وقد يعتقد البعض ان ماسأقوله الآن بعيد بعض الشيء عن منظومة الإهانة, ولكني أعتقد أنه صميم الإهانة. فحين تطالعك لافتات ضخمة في كل مكان تبشرك بأن مصر العظيمة اختارت شيبسي بالجمبري, أو أن الفول السوداني ثار علي سنوات طويلة من الذل والمهانة وارتدي حلة جديدة أعادت له برستيجه, فإن المواطن الذي يعيش في وطن اختار الجمبري وبات ينتظر ماستئول إليه أوضاع الفول السوداني عليه أن يتناسي حكاية عزة النفس هذه.
وأقترح أن يكون لدينا مشروع قومي هدفه زرع الشعور بعزة النفس ومعاقبة كل من يقترف فعلا يمس كرامة المواطن, شرط أن يتم تطبيقة فعليا وعدم الاكتفاء بالتصديق عليه وإحالته إلي الادراج وأقترح أن تكون العبارة الأولي في نص القانون مؤكدة علي أن الشتيمة تلتصق بصاحبها, ويعاقب عليها القانون.
منع اللبان
ربما أكون دقة قديمة, أو أنني أحبكها زيادة علي اللزوم كما يقول لي إبني المراهق, ولكني للأسف لم أعد في مرحلة عمرية تمكنني من محاولة تغيير نفسي. فمدرستي التي أمضيت فيها14 عاما متصلة علمتني ان مضغ اللبان قلة أدب, وكم من طالبة تعرضت للتذنيب, وأحيانا استدعاء ولي الأمر بسبب مضغ اللبان.
وفي البيت لم يعد مسموحا لنا بمضغ اللبان إلا في العطلات والأعياد الرسمية, شرط ألا نخرج من باب البيت واللبانة في فمنا, وإن أكلناها في البيت, فينبغي أن يكون الفم مطبقا عليها تماما, ولايصدر منه صوت.
وقد يكون ذلك شكلا من أشكال المبالغة, ولكني شعرت أن مضغ اللبان بالفعل شيء مقزز وغير حضاري وسوقي قبل يومين وتحديدا حين كنت في مطار القاهرة الدولي وتحديدا أمام شباك الخدمات الخاصة لخدمة العملاء, وكانت الموظفة ذات الزي الأنيق تمضغ لبانة بهدوء شديد وترو مذهل. والحقيقة أنني شعرت أن المنظرالعام الرائع للمطار في حلته الجديدة, ورونقه الشديد, ونظافته الجمة لايتواءم ومنظر اللبانة, ولولا أنني أعلم تماما أن القوانين لاتنفذ بالضرورة, لطالبت بسن قانون يحظر مضغ اللبان في أماكن العمل. أقترح إصدار قرار داخلي يقضي بمعاقبة الموظف الذي يمضغ لبانة أثناء عمله, لاسيما إن كانت طبيعة عمله تحتم عليه التعامل مع الجمهور, سواء كان مصريا أو أجنبيا.
فنجد ان مثل هذا الطفل الذي يتعرض للسب والشتم بصفة مستمرة يدافع عن نفسه من خلال هذا التبلد. وما يحدث, هو ان الطفل المضروب والمشتوم يتوقف عن القيام بالفعل الخاطئ اثناء ضربه او شتمه, لكنه سرعان ما يعود الي تكرار الخطأ. ويلاحظ ايضا انه قد يصل لدرجة من التبلد تمكنه فيما بعد من ان يستمر في القيام بالخطأ حتي اثناء ضربه وشتمه!
هذا بالنسبة للطفل الذي تسهم السنوات الاولي في تشكيل شخصيته وتحدد مساره في المجتمع والملاحظة ان هذا الاسلوب في التربية منتشر بشكل كبير لدينا. وهو انتشار يسير في خط مواز للخط الرسمي الذي يعمل علي نشر ثقافة مضادة للعنف ومحاربة للقسوة في تربية الصغار. وهناك مئات المؤتمرات والفعاليات التي يتم تنظيمها كل عام تحت شعارات مختلفة يدور جميعها حول حق الطفل في المعاملة الطيبة, والابتعاد كل البعد عن العنف والتعنيف! لكن للاسف ان الخطين يسيران متوازيين وقلما يلتقيان.
والحقيقة ان الاهانة تولد اما التبلد, او العنف, او الغباء, او الانفجار او كل هذه الاشياء مجتمعة. اعتقد ان هذا هو ما يحدث في الشارع المصري منذ سنوات ولانه يحدث علي مدي سنوات طويلة وبطريقة تدريجية, فان المعايش للاوضاع لا يلحظ ما يحدث الا اذا ابتعد بضع سنوات.
مهن هامشية
وفي الاسبوع الماضي, استقبلت شقيقتي التي تعيش خارج مصر منذ سنوات طويلة, وعادت لتمضي بضعة ايام مع الاسرة. وكانت الملاحظة الاولي التي ابدتها تتعلق بالكم الهائل من البشر الذين يعملون في مهن هامشية. فكلما توقفنا بالسيارة لبضع ثوان, قفز عدد كبير من ـ السياس ـ( جمع سايس) لجمع الجباية نظير وقوف السيارة في الشارع, وجميعهم غير تابع لجهة ما, اي انهم لا يعملون في البلدية او الحي او المحليات او حتي الدوليات ـ وهم لا يتحرجون من مد ايديهم لتقاضي ـ ثمن ـ الانتظار في الشارع المملوك للدولة وهم يعللون ذلك بانه رزق من الله.
ولاحظت شقيقتي كذلك الـ نيو لوك ـ الذي طرأ علي جموع العاملين في منظومة الشحاذة. قالت لي وهي غير مصدقة: ـ زمان كان الشحاتون اما مسنون او معاقون ـ حتي لو كانوا يدعون الاعاقة او متمسكنين, اما الان فأراهم في اتم صحة وافضل حال كما تغيرت فئاتهم العمرية, ومواصفاتهم النفسية والاجتماعية ـ وحين سألتها عن مقصدها, قالت انها لا تر اي انكسار في اعينهم فهم يمدون ايديهم بكل عنفوان وقوة, وينظرون الي الناس في اعينهم نظرات مباشرة لا اثر فيها للمسكنة او الحرج.
وقالت ان هذا يعني ان مد اليد الذي كان قبل سنوات محملا بقدر كبير من الاهانة وضياع عزة النفس وانقشاع الإباء شيئا مقبولا تماما ليس هذا فقط, بل ان الشحاذ الذي لا يحظي بالمراد او يحظي بمراد اقل مما يطمح اليه لا يتردد في توجيه كلمات تتراوح بين اللوم والسب الي الشخص المشحوذ منه.
ملحوظة اخري لاحظتها شقيقتي وهي تفشي كلمات السب والشتم بشكل واضح في الشارع, وحتي بين الطبقات الاجتماعية التي كان يفترض فيها الرقي والتربية العالية! يعني مثلا في النوادي الرياضية والاجتماعية الراقية, عادي جدا ان تخترق اذنيك شتمة من العيار الثقيل يتبادلها شابان صديقان علي سبيل الدعابة, او يوجهها شاب لصديقته من باب التلطف.
الشتيمة لا تلتصق
وهنا تذكرت موقفا كنت بطلته قبل ما يزيد علي عشر سنوات. فقد وجه لي احدهم كلمة خارجة اثناء سيري في الشارع وهو ما اعتبرته اهانة بالغة وبالتالي فقد اصررت علي ان اصطحب الشخص الي قسم الشرطة, وهو ما اثار ضحك الواقفين الذين تجمعوا لاغراض مختلفة فمنهم من وقف بغرض التسلية, واخرون جذبهم حب الاستطلاع وربما الاستنطاع, وفريق ثالث تدخل علي الاغلب بحسن نية بغرض اقناعي بان ـ اللي باعمله ده عيب ـ, وذلك من منظور ان الست او البنت المؤدبة حين تتعرض للاهانة او المعاكسة او التحرش عليها ان تنظر في الارض وتمضي قدما وكأن شيئا لم يحدث! ولكني كنت قد عقدت العزم, وخدمني الحظ بان كانت هناك سيارة شرطة تمر بالمصادفة, فاستوقفتها, وشرحت لامين الشرطة في داخلها ما حدث وهو طبعا تعجب بشدة هو الاخر, وظل يسألني اكثر من مرة: ـ يعني هو ما عاملش اي حاجة غير الشتيمة؟! ـ وفعلا توجهنا الي قسم الشرطة, وهناك شرحت للضابط ما حدث, وظل يضحك فترة طويلة, لكنه حاول ان يهدئ من روعي, فقال لي ـ وهي الشتيمة يعني بتلصق؟! ـ فما كان مني الا ان قلت له: ـ ايوه بتلصق!ـ والحقيقة ان الضابط صبر علي, وقال لي محاولا اكمال عملية التهدئة: ـ ده اذا كان كده يبقي زمان العساكر اللي عندي دول انتحروا! ده انا باهريهم كل يوم شتيمة. وعلي فكرة الشتيمة مش دايما بتكون اهانة. يلا فلان تعال هنا! لو انا شتمتك وقلت لك يا ـ كذا يا ابن الكذا ـ هتزعل؟ فرد فلان: ـ لا طبعا يا باشا! ده انا حتي هافرح!ـ
وبغض النظر عما حدث بعد ذلك, الا ان هذا اليوم كان علامة فارقة بالنسبة لي! فقد تربيت في بيت يعتبر السب والشتم اهانة بالغة, ويعتد بعزة النفس والكرامة لاقصي درجة يمكن تخيلها وقد علمنا والدي ووالدتي ان الشتيمة لا تلتصق فقط بصاحبها, بل يمكن ان تقضي عليه, وتدمره ان لم يكن فعليا, فنفسيا.
ألم الإهانة
وحتي نكون صادقين مع انفسنا, علينا ان نسلم بحقيقة مرة واقعة في مصر, وهي ان رؤيتنا للاهانة تغيرت وتبدلت. فتعرض شخص ما للاهانة او الذل لم يعد مسألة موجعة, بل يتم التعامل معها حينا من منطلق ـ الغاية تبرر الوسيلة ـ اي انه اذا كانت الاهانة ستؤدي في نهاية المطاف الي نيل شكل من اشكال المنفعة, فعلي بركة الله.
فمثلا علي سبيل المثال لا الحصر, حين يتردد الواحد منا علي مكتب حكومي لانهاء مصلحة ما, فيجد الموظف اياه متجهما لا يرد علي سلام او كلام, وان رد فمن ـ طرطوفة ـ انفه, وغالبا فإنه يبذل كل ما لديه من جهد لعرقلة المصلحة. وهو يعرف تمام المعرفة أن معاملته السيئة للمواطن الواقف أمامه لن تنتج عنها أي أضرار له, لأن المواطن المذلول لن يجرؤ علي رد الإهانة من باب إللي له حاجة عند الكلب يقول له ياسيدي.
وفي السياق نفسه, فإن صاحب المنصب الكبير أو السلطة المتناهية كثيرا مايتعامل مع المحيطين به من هذا المنطلق. فهو يعتمد علي سطوته وقوته وسلطته في التعامل معهم, ويعرف تماما أن كل من هو أقل منه أو أفقر منه أو أقل سلطة منه لن يجرؤ علي إلحاق الضرر به.
تضاؤل العزة
وللأسف ان تضاؤل حجم عزة النفس وانقشاع مساحة الكرامة أثر بشكل كبير علي المظهر العام للمصريين. فهو لايتجلي فقط في منظومة الشحاذة المتفشية, لكنه يبدو واضحا كذلك من خلال تعامل الناس مع بعضهم البعض. تقف في طابور التذاكر وتدفع قيمتها للموظف, فيكاد الموظف يقذف التذكرة في وجهك. تقف في طابور الخبز وتجد أرغفة الخبز وهي تتراقص امام عينيك بينما البائع يلقي بها الواحد تلو الآخر. وقس علي ذلك كل شيء حتي في البوتيكات ومحلات الملابس, تدفع قيمة ما اشتريت, فتفاجأ بالموظف يلقي بالباقي بطريقة أقل مايمكن ان توصف به هو أنها مهينة ومذلة. والغريب أن كثيرين منا اعتادوا ذلك وكأنه شيء عادي. وأكبر دليل يظهر في الحالات النادرة التي يعترض فيها مواطن علي مثل هذه المعاملة, إذ يفاجأ ببقية المواطنين وهم يؤنبونه لأن مافيش حاجة حصلت وإنه يهيأ له أن الموظف قصد إهانته, وقلما يقف أحد منهم في صف المواطن الذي وقع ضحية الإهانة.
ولايفوتنا في هذا الصدد أن نشير إلي منظومة الضرب علي القفا التي يتعرض لها البعض في الشارع وهي منظومة غير منصوص عليها في أي من القوانين, بما في ذلك قانون الطوارئ ذات نفسه!
تصريحات موجعة
وهناك من الإهانات ما هو مباشر وما هو غير مباشر! فالتصريحات التي تصدر مثلا عن كبار المسئولين بين الحين والآخر ولاتعكس إلا استهانة بعقلياتهم أو تقليل لقدراتهم الفكرية. فهذا شعب غير مستعد للديمقراطية بعد, وذاك تفسير ينم عن قصور شديد في فهم التنمية الاقتصادية والنمو الاقتصادي. فمثل هذه التطورات لا يشعر بها المواطن العادي ولايفهمها, وعليه أن ينتظر بضع سنوات حتي يشعر بها. ومحاولة فهمها أو استعجال حدوثها لاتنم إلا عن قلة معلومات وضحالة في الفكر.
وقد يعتقد البعض ان ماسأقوله الآن بعيد بعض الشيء عن منظومة الإهانة, ولكني أعتقد أنه صميم الإهانة. فحين تطالعك لافتات ضخمة في كل مكان تبشرك بأن مصر العظيمة اختارت شيبسي بالجمبري, أو أن الفول السوداني ثار علي سنوات طويلة من الذل والمهانة وارتدي حلة جديدة أعادت له برستيجه, فإن المواطن الذي يعيش في وطن اختار الجمبري وبات ينتظر ماستئول إليه أوضاع الفول السوداني عليه أن يتناسي حكاية عزة النفس هذه.
وأقترح أن يكون لدينا مشروع قومي هدفه زرع الشعور بعزة النفس ومعاقبة كل من يقترف فعلا يمس كرامة المواطن, شرط أن يتم تطبيقة فعليا وعدم الاكتفاء بالتصديق عليه وإحالته إلي الادراج وأقترح أن تكون العبارة الأولي في نص القانون مؤكدة علي أن الشتيمة تلتصق بصاحبها, ويعاقب عليها القانون.
منع اللبان
ربما أكون دقة قديمة, أو أنني أحبكها زيادة علي اللزوم كما يقول لي إبني المراهق, ولكني للأسف لم أعد في مرحلة عمرية تمكنني من محاولة تغيير نفسي. فمدرستي التي أمضيت فيها14 عاما متصلة علمتني ان مضغ اللبان قلة أدب, وكم من طالبة تعرضت للتذنيب, وأحيانا استدعاء ولي الأمر بسبب مضغ اللبان.
وفي البيت لم يعد مسموحا لنا بمضغ اللبان إلا في العطلات والأعياد الرسمية, شرط ألا نخرج من باب البيت واللبانة في فمنا, وإن أكلناها في البيت, فينبغي أن يكون الفم مطبقا عليها تماما, ولايصدر منه صوت.
وقد يكون ذلك شكلا من أشكال المبالغة, ولكني شعرت أن مضغ اللبان بالفعل شيء مقزز وغير حضاري وسوقي قبل يومين وتحديدا حين كنت في مطار القاهرة الدولي وتحديدا أمام شباك الخدمات الخاصة لخدمة العملاء, وكانت الموظفة ذات الزي الأنيق تمضغ لبانة بهدوء شديد وترو مذهل. والحقيقة أنني شعرت أن المنظرالعام الرائع للمطار في حلته الجديدة, ورونقه الشديد, ونظافته الجمة لايتواءم ومنظر اللبانة, ولولا أنني أعلم تماما أن القوانين لاتنفذ بالضرورة, لطالبت بسن قانون يحظر مضغ اللبان في أماكن العمل. أقترح إصدار قرار داخلي يقضي بمعاقبة الموظف الذي يمضغ لبانة أثناء عمله, لاسيما إن كانت طبيعة عمله تحتم عليه التعامل مع الجمهور, سواء كان مصريا أو أجنبيا.
الأربعاء ديسمبر 07, 2011 3:14 pm من طرف الصمت الحـزين
» فتاه عزباء تنام مع شاب ليله كامله فى غرفه واحده
الأربعاء ديسمبر 07, 2011 2:08 pm من طرف الصمت الحـزين
» انا جيييت نورت المنتدى
الأربعاء ديسمبر 07, 2011 2:01 pm من طرف الصمت الحـزين
» (ساقطون بالخط العريض)
السبت ديسمبر 03, 2011 6:51 pm من طرف الصمت الحـزين
» الْحَيــَـآهـ مَدْرَسَهْـ وَالْج ـــرْح أَحَد فُصُولَهَا
السبت ديسمبر 03, 2011 6:33 pm من طرف الصمت الحـزين
» النساء اولاً
السبت ديسمبر 03, 2011 6:22 pm من طرف الصمت الحـزين
» تمسك بخيوط الشمس
الأربعاء أغسطس 17, 2011 7:08 am من طرف admin
» بصمات تبكيني دما لا دمعا
الأربعاء أغسطس 17, 2011 7:04 am من طرف احساس طفلة
» قصة الفيلسوف والديك
الخميس يونيو 16, 2011 1:35 am من طرف admin