كان مشهد المواطنين الجنوبيين الذين وقفوا في صفوف طويلة ممتدة أمام صناديق الإقتراع لتقرير مصيرهم في نظام وهدوء وصبر أمرا عجيبا مثيرا للإستغراب...
هو منظر ربما لن يغادر مخيلتنا ومخيلة كل من رآه من الصحفيين والمراقبين الذين توافدوا بكثافة علي جنوب السودان وأصبحت جوبا عاصمة الجنوب قبلة لهم خلال الأيام الماضية...
وقد جاء المواطنون الجنوبيون منذ الصباح الباكر لمراكز الإقتراع وأعداد منهم لم تطق الإنتظار حتي بزوغ فجر يوم التاسع من يناير و باتت ليلتها أمام مراكز الإقتراع... إقتربت من أحدهم: قال لي إنه بات ليلته وآخرون غيره أمام مركز الإقتراع لإنتظار لحظة التصويت سألته: عما إذا كان قد تعب من الإنتظار حتي الصباح قال:' لقد انتظرنا هذا اليوم طيلة55 عاما وتعب الإنتظار ليلة هنا لايساوي شيئا بالنسبة للآلام التي تحملها شعبنا طوال سنوات الإنتظار والمعاناة جراء الحروب المتتالية والتشرد والنزوح واللجوء والموت والقتل والدمار والمرض'..... سألت شابا آخر يدعي روبين مداعبة: تري لأي خيار ستصوت: قال بلهجة سودانية:' راينا ما بندسه' أي لانخفي رأينا... بالطبع سأصوت للإنفصال من أجل الحرية والكرامة والعدالة لشعبنا, ومن أجل أن نبني بلدا لانشعر فيه أننا مواطنون من الدرجة الثانية...لقد انتظرنا ذلك طويلا'.... هي إذن معركة محسومة علي مايبدو لصالح الإنفصال الذي تعالي صوته في الشهور الأخيرة علي وجه أخص التي خفت فيها صوت الوحدة وتواري أنصارها خوفا أوخجلا بعد أن أصبحت رديفا للعبودية والقهر والمظالم والحروب والأمراض والفقر والمذلة وفقدان الكرامة حيث توجهت حملة ضخمة لشحن الرأي العام في الجنوب. لحشد مواطنيه من أجل هذا اليوم الفاصل في تاريخهم ولم تخف تقريبا جميع القيادات البارزة بالجنوب والحركة الشعبية انحيازها للانفصال بل وحضت الجماهير علي اختياره وعدم خيانة أرواح ملايين الشهداء تقول إنهم سقطوا نتيجة وحدة غير مجدية مع الشمال بل وقالت هذه القيادات للمواطن الجنوبي إن عليه أن يتذكر وهو يدلي بصوته بأنه لايقرر مصيره وحده أو حتي مصير شعبه الموجود بل أيضا مصير أبنائه والأجيال المقبلة في الجنوب وأن عليه أن يقررما إذا كان يرغب في أن يكونوا عبيدا أم مواطنين أحرار.
وفي مجتمع تسوده الأمية علي الأقل بنسبة80% أو أكثر كانت هناك أنشطة كثيرة من قبل الناشطين والكوادر السياسية في الأحزاب وحكومة الجنوب من أجل تدريبهم علي ممارسة حقهم في تقرير مصيرهم. وكانت الرسالة لهؤلاء البسطاء من شعب الجنوب مباشرة بأن عليهم أن يطووا ورقة الإستفتاء ويبصموا علي شعار اليد الواحدة التي ترمز للإنفصال وأن يتجنبوا تماما شعار اليدين المتعانقتين اللتين ترمزان إلي الوحدة. وقد كان شعار اليد الواحدة هو الشعار الأبرز في الحملة الدعائية التي سبقت يوم التصويت.
لم يكن الأمر سهلا علي حكومة الجنوب وجميع أجهزتها في تحضيرها لهذا اليوم والذي أرادوه يوما أسطوريا فاصلا في تاريخهم وبذلوا جهودا خارقة بمساعدة منظمات دولية عديدة من أجل إستقبال النازحين الذين قدموا من الشمال واللا جئين الذين أتوا من دول الجوار وغيرها وإستيعاب هؤلاء قد يكون عبئا كبيرا ومشكلة علي الحكومة في المرحلة المقبلة.
وهذه الأعداد الكبيرة جدا القادمة من الشمال والتي تقدر بمئات الآلاف تعبر عن مأساة حقيقية تضاف إلي مآس إنسانية لايمكن حصرها في الجنوب الذي عاني حربا أهلية توصف بأنها الأطول في القارة الأفريقية. والمشاهد التي أدمت قلوب غالبية أبناء الشمال السوداني هي مشاهد هؤلاء المواطنين الجنوبيين الذين عاشوا وتعايشوا معهم سنوات طويلة وهم يجمعون حاجياتهم وأمتعتهم علي عجل ويركبون عربات نقل يتوجهون بها صوب جنوب السودان في رحلة طويلة شاقة يتعثرون ويتكدسون في طريقهم للجنوب عبر الطرق النهرية والبرية التي ازدحمت إزدحاما شديدا.هذا المشهد عكس مأساوية الوضع السوداني فهؤلاء الجنوبيون الراحلون تدفقوا إلي هذه المناطق الشمالية علي مراحل منذ نشوب الحرب الأهلية في جنوب السودان عام1983 وربما قبل ذلك لأن التاريخ الحقيقي لنشوب الحرب في دورتها الأولي كان عام1955 هناك أعداد كثيرة من هؤلاء الجنوبيين ولدوا وعاشوا ودرسوا في الخرطوم ومدن الشمال ولايعرفون أرضا سواها, كثيرون منهم ارتبطوا بأصدقاء وجيران وأعمال في الشمال كثيرون منهم يحملون مشاعر بعضها إيجابي وبعضها الآخر ملتبس أومتناقض تجاه إخوتهم في الشمال كثيرون منهم لم يكونوا يودون أن يعودوا. إنهم لايملكون شيئا في الجنوب. وكثيرون منهم وصلوا بشق الأنفس إلي مناطقهم وقراهم التي دمرتها الحرب هنا, وعليهم أن يبدأوا حياتهم من الصفر. وقد يكونون عبئا حقيقيا علي حكومة الجنوب... مادفعهم إلي الرحيل أولا هو رغبة حكومة الجنوب أن يكون التصويت للإستفتاء علي تقرير المصير في الجنوب حتي لايتم أي تلاعب فيه بالشمال وثانيا وهو الأهم هو هذه الأجواء المسمومة الناجمة عن تصريحات من بعض قيادات حزب المؤتمر الوطني الحاكم من أن هؤلاء الجنوبيين لن يصبح لهم أي حق في الخرطوم إذا تم الإنفصال وأنه لن يكون لهم حق العمل أو الإقامة أو التجارة أوحتي الحصول علي حقنة الدواء علي حد تعبير الدكتور كمال عبيد القيادي بالمؤتمر الوطني ووزير الإعلام السوداني.
... إذن كان الوصول إلي يوم الإستفتاء هو بمثابة موعدا للخلاص في الجنوب لوداع مرحلة واستقبال أخري في الجنوب وبناء دولتهم المرتقبة ورغم مظاهر الفرح التي يعلنونها بالجنوب فإن هناك خوفا وحذرا وترقبا من الآتي في مقبل الأيام. كما أن هناك مشاعر طيبة أيضا يحملها هؤلاء لإخوانهم في الشمال وهذه المشاعر تقابلها مشاعر غالبية الشعب السوداني في الشمال وكثير من أبنائه يكادون يموتون كمدا وحزنا علي ضياع جزء عزيز من وطنهم رغم الدعاية والتعبئة الضخمة من منابر ووسائل إعلام عديدة في الخرطوم تخصصت في السنوات الأخيرة في إشاعة أجواء من الكراهية والبغضاء بين أبناء الوطن الواحد والترويج لتبني خيار الإنفصال في الشمال للتخلص من الجنوب الذي يعتبرونه عبئا.
كثيرون في الجنوب يرون أن نتيجة الإستفتاء معروفة وأنها ستكون تحصيل حاصل وأكدت قيادات جنوبية كثيرة أن نسبة لاتقل عن90% ستصوت لصالح خيار الإنفصال ولعلهم يريدون عبر هذه النسبة الكبيرة إرسال رسالة قوية إلي كل من يعنيه الأمر في شمال السودان ودول الإقليم والعالم بأن هذا هو خيار وإرادة شعب الجنوب وأن ليس علي الجميع سوي الرضوخ له والاعتراف به والتعامل معه.
وفي واقع الأمر فإن الوصول إلي هذه النتيجة لم يكن حتميا كمايري كثيرون رغم الميراث الكبير من الإحساس بالمظالم والتهميش داخل نفوس أبناء الجنوب التي حصدت الحرب المدمرة الملايين من أرواحهم وشتتت وجرحت ويتمت وثكلت الرجال والنساء والأطفال وأتت علي الأخضر واليابس كان يمكن أن يكون جنوب السودان بسهولة أرضا خصبة للعروبة والإسلام كماقال لي المفكر السوداني الكبير ومساعد الأمين العام للأمم المتحدة فرانسيس دينق' لولا سياسات الأسلمة والتعريب القسري'.... ونتائج الإستفتاء ستكون إعلانا لفشل الحكومات السودانية الوطنية في السودان منذ رحيل المستعمر البريطاني وحتي الآن في صياغة مشروع وطني يستطيع استيعاب التعدد والتنوع العرقي والديني والقبلي والثقافي والإجتماعي والسياسي الواسع في السودان بعد رحيل المستعمر البريطاني الذي كان قد بذر بذور الخلاف والشقاق بين الشمال والجنوب وجعل من الجنوب مناطق مقفولة حرم دخول الشماليين والعرب إليها.
وسيكون إعلان إنفصال الجنوب أيضا إعلانا لفشل نظام حكم الإنقاذ الذي يترأسه الرئيس عمر البشير والذي حكم السودان منذ إنقلاب عام1989 تحت مسميات مختلفة آخرها' حزب المؤتمر الوطني' والذي لم يستطع الحفاظ علي وحدة أكبر بلد عربي وأفريقي رغم أنه توافرت له فرص عديدة لذلك. يقول يان ماثيو الناطق الرسمي بإسم الحركة الشعبية لقد اضطررنا اضطرارا ودفعنا دفعا للانفصال لم نكن نطالب به يوما لكن الحكومات المركزية وآخرها حكومة البشير لم تفعل شيئا للحفاظ علي وحدة البلد'وسيكون إعلان انفصال الجنوب كذلك فشلا لمشروع الحركة الشعبية الذي وضعه زعيمها الراحل الدكتور جون قرنق المعروف بإسم' السودان الجديد' والذي كان يدعو إلي إقامة سودان موحد علي أسس من العدالة والمساواة وقد تراجع كثيرا بعد موت صاحبه. ولن يكون إنفصال الجنوب خاتمة المطاف أو آخر تقرير مصير في السودان في ظل استمرار الظروف الراهنة.
و الجنوبيين يعلنون اليوم وهم بصدد إستقبال دولتهم الجديدة أنهم سيكونون دولة مسالمة محبة لجيرانها لها مصالح ومنافع مشتركة مع الجميع ومع الشمال علي وجه أخص وكذلك مع الدول العربية ودول جوارها الأخري في أفريقيا. وهذه الأحلام الطيبة الكبيرة قد تصادفها عقبات هائلة علي أرض الواقع وأولي هذه التحديات أن دولة الجنوب الوليدة المنتظرة ستبدأ تقريبا من الصفر لبناء وتعمير مساحة الجنوب التي تقدر ب700 ألف كيلومتر والتي تفتقد تقريبا إلي كل شيء كما سيكون عليه عبء أمني كبير ممثل في حماية حدود الجنوب مع الشمال الذي مازالوا ينظرون إليه بتوجس كبير والحدود معه هي أطول حدود في أفريقيا حيث تبلغ حوالي ألفي كيلومتر فضلا عن حدود أخري مع كل دول الجوار الجنوبية في أفريقيا علاوة علي مشكلة جيش الرب الأوغندي وحدود الجنوب مع دارفور. وفي ظل عدم حسم القضايا العالقة مع الشمال والتي سيكون هناك ستة أشهر أخري لحلها قبل الفصل الحقيقي للدولتين وستكون دولة الجنوب القادمة عرضة لكثير من الضغوط الإقليمية والدولية ومنطقة لتقاطع مصالح إقليمية ودولية عديدة, وسيظل الأمر في الجنوب كله مرهونا بالعلاقة بين جنوب السودان وشماله في حال الإنفصال كما تتوقف طبيعة هذه العلاقة( عداء أم حسن) جوار علي أمور كثيرة في شطري السودان الذي يبحث كل منهما الآن عن إسم وهوية ومكان علي خريطة عالمية تتواري فيها الكيانات الصغيرة وتتكتل فيها الدول وتتوحد.
هو منظر ربما لن يغادر مخيلتنا ومخيلة كل من رآه من الصحفيين والمراقبين الذين توافدوا بكثافة علي جنوب السودان وأصبحت جوبا عاصمة الجنوب قبلة لهم خلال الأيام الماضية...
وقد جاء المواطنون الجنوبيون منذ الصباح الباكر لمراكز الإقتراع وأعداد منهم لم تطق الإنتظار حتي بزوغ فجر يوم التاسع من يناير و باتت ليلتها أمام مراكز الإقتراع... إقتربت من أحدهم: قال لي إنه بات ليلته وآخرون غيره أمام مركز الإقتراع لإنتظار لحظة التصويت سألته: عما إذا كان قد تعب من الإنتظار حتي الصباح قال:' لقد انتظرنا هذا اليوم طيلة55 عاما وتعب الإنتظار ليلة هنا لايساوي شيئا بالنسبة للآلام التي تحملها شعبنا طوال سنوات الإنتظار والمعاناة جراء الحروب المتتالية والتشرد والنزوح واللجوء والموت والقتل والدمار والمرض'..... سألت شابا آخر يدعي روبين مداعبة: تري لأي خيار ستصوت: قال بلهجة سودانية:' راينا ما بندسه' أي لانخفي رأينا... بالطبع سأصوت للإنفصال من أجل الحرية والكرامة والعدالة لشعبنا, ومن أجل أن نبني بلدا لانشعر فيه أننا مواطنون من الدرجة الثانية...لقد انتظرنا ذلك طويلا'.... هي إذن معركة محسومة علي مايبدو لصالح الإنفصال الذي تعالي صوته في الشهور الأخيرة علي وجه أخص التي خفت فيها صوت الوحدة وتواري أنصارها خوفا أوخجلا بعد أن أصبحت رديفا للعبودية والقهر والمظالم والحروب والأمراض والفقر والمذلة وفقدان الكرامة حيث توجهت حملة ضخمة لشحن الرأي العام في الجنوب. لحشد مواطنيه من أجل هذا اليوم الفاصل في تاريخهم ولم تخف تقريبا جميع القيادات البارزة بالجنوب والحركة الشعبية انحيازها للانفصال بل وحضت الجماهير علي اختياره وعدم خيانة أرواح ملايين الشهداء تقول إنهم سقطوا نتيجة وحدة غير مجدية مع الشمال بل وقالت هذه القيادات للمواطن الجنوبي إن عليه أن يتذكر وهو يدلي بصوته بأنه لايقرر مصيره وحده أو حتي مصير شعبه الموجود بل أيضا مصير أبنائه والأجيال المقبلة في الجنوب وأن عليه أن يقررما إذا كان يرغب في أن يكونوا عبيدا أم مواطنين أحرار.
وفي مجتمع تسوده الأمية علي الأقل بنسبة80% أو أكثر كانت هناك أنشطة كثيرة من قبل الناشطين والكوادر السياسية في الأحزاب وحكومة الجنوب من أجل تدريبهم علي ممارسة حقهم في تقرير مصيرهم. وكانت الرسالة لهؤلاء البسطاء من شعب الجنوب مباشرة بأن عليهم أن يطووا ورقة الإستفتاء ويبصموا علي شعار اليد الواحدة التي ترمز للإنفصال وأن يتجنبوا تماما شعار اليدين المتعانقتين اللتين ترمزان إلي الوحدة. وقد كان شعار اليد الواحدة هو الشعار الأبرز في الحملة الدعائية التي سبقت يوم التصويت.
لم يكن الأمر سهلا علي حكومة الجنوب وجميع أجهزتها في تحضيرها لهذا اليوم والذي أرادوه يوما أسطوريا فاصلا في تاريخهم وبذلوا جهودا خارقة بمساعدة منظمات دولية عديدة من أجل إستقبال النازحين الذين قدموا من الشمال واللا جئين الذين أتوا من دول الجوار وغيرها وإستيعاب هؤلاء قد يكون عبئا كبيرا ومشكلة علي الحكومة في المرحلة المقبلة.
وهذه الأعداد الكبيرة جدا القادمة من الشمال والتي تقدر بمئات الآلاف تعبر عن مأساة حقيقية تضاف إلي مآس إنسانية لايمكن حصرها في الجنوب الذي عاني حربا أهلية توصف بأنها الأطول في القارة الأفريقية. والمشاهد التي أدمت قلوب غالبية أبناء الشمال السوداني هي مشاهد هؤلاء المواطنين الجنوبيين الذين عاشوا وتعايشوا معهم سنوات طويلة وهم يجمعون حاجياتهم وأمتعتهم علي عجل ويركبون عربات نقل يتوجهون بها صوب جنوب السودان في رحلة طويلة شاقة يتعثرون ويتكدسون في طريقهم للجنوب عبر الطرق النهرية والبرية التي ازدحمت إزدحاما شديدا.هذا المشهد عكس مأساوية الوضع السوداني فهؤلاء الجنوبيون الراحلون تدفقوا إلي هذه المناطق الشمالية علي مراحل منذ نشوب الحرب الأهلية في جنوب السودان عام1983 وربما قبل ذلك لأن التاريخ الحقيقي لنشوب الحرب في دورتها الأولي كان عام1955 هناك أعداد كثيرة من هؤلاء الجنوبيين ولدوا وعاشوا ودرسوا في الخرطوم ومدن الشمال ولايعرفون أرضا سواها, كثيرون منهم ارتبطوا بأصدقاء وجيران وأعمال في الشمال كثيرون منهم يحملون مشاعر بعضها إيجابي وبعضها الآخر ملتبس أومتناقض تجاه إخوتهم في الشمال كثيرون منهم لم يكونوا يودون أن يعودوا. إنهم لايملكون شيئا في الجنوب. وكثيرون منهم وصلوا بشق الأنفس إلي مناطقهم وقراهم التي دمرتها الحرب هنا, وعليهم أن يبدأوا حياتهم من الصفر. وقد يكونون عبئا حقيقيا علي حكومة الجنوب... مادفعهم إلي الرحيل أولا هو رغبة حكومة الجنوب أن يكون التصويت للإستفتاء علي تقرير المصير في الجنوب حتي لايتم أي تلاعب فيه بالشمال وثانيا وهو الأهم هو هذه الأجواء المسمومة الناجمة عن تصريحات من بعض قيادات حزب المؤتمر الوطني الحاكم من أن هؤلاء الجنوبيين لن يصبح لهم أي حق في الخرطوم إذا تم الإنفصال وأنه لن يكون لهم حق العمل أو الإقامة أو التجارة أوحتي الحصول علي حقنة الدواء علي حد تعبير الدكتور كمال عبيد القيادي بالمؤتمر الوطني ووزير الإعلام السوداني.
... إذن كان الوصول إلي يوم الإستفتاء هو بمثابة موعدا للخلاص في الجنوب لوداع مرحلة واستقبال أخري في الجنوب وبناء دولتهم المرتقبة ورغم مظاهر الفرح التي يعلنونها بالجنوب فإن هناك خوفا وحذرا وترقبا من الآتي في مقبل الأيام. كما أن هناك مشاعر طيبة أيضا يحملها هؤلاء لإخوانهم في الشمال وهذه المشاعر تقابلها مشاعر غالبية الشعب السوداني في الشمال وكثير من أبنائه يكادون يموتون كمدا وحزنا علي ضياع جزء عزيز من وطنهم رغم الدعاية والتعبئة الضخمة من منابر ووسائل إعلام عديدة في الخرطوم تخصصت في السنوات الأخيرة في إشاعة أجواء من الكراهية والبغضاء بين أبناء الوطن الواحد والترويج لتبني خيار الإنفصال في الشمال للتخلص من الجنوب الذي يعتبرونه عبئا.
كثيرون في الجنوب يرون أن نتيجة الإستفتاء معروفة وأنها ستكون تحصيل حاصل وأكدت قيادات جنوبية كثيرة أن نسبة لاتقل عن90% ستصوت لصالح خيار الإنفصال ولعلهم يريدون عبر هذه النسبة الكبيرة إرسال رسالة قوية إلي كل من يعنيه الأمر في شمال السودان ودول الإقليم والعالم بأن هذا هو خيار وإرادة شعب الجنوب وأن ليس علي الجميع سوي الرضوخ له والاعتراف به والتعامل معه.
وفي واقع الأمر فإن الوصول إلي هذه النتيجة لم يكن حتميا كمايري كثيرون رغم الميراث الكبير من الإحساس بالمظالم والتهميش داخل نفوس أبناء الجنوب التي حصدت الحرب المدمرة الملايين من أرواحهم وشتتت وجرحت ويتمت وثكلت الرجال والنساء والأطفال وأتت علي الأخضر واليابس كان يمكن أن يكون جنوب السودان بسهولة أرضا خصبة للعروبة والإسلام كماقال لي المفكر السوداني الكبير ومساعد الأمين العام للأمم المتحدة فرانسيس دينق' لولا سياسات الأسلمة والتعريب القسري'.... ونتائج الإستفتاء ستكون إعلانا لفشل الحكومات السودانية الوطنية في السودان منذ رحيل المستعمر البريطاني وحتي الآن في صياغة مشروع وطني يستطيع استيعاب التعدد والتنوع العرقي والديني والقبلي والثقافي والإجتماعي والسياسي الواسع في السودان بعد رحيل المستعمر البريطاني الذي كان قد بذر بذور الخلاف والشقاق بين الشمال والجنوب وجعل من الجنوب مناطق مقفولة حرم دخول الشماليين والعرب إليها.
وسيكون إعلان إنفصال الجنوب أيضا إعلانا لفشل نظام حكم الإنقاذ الذي يترأسه الرئيس عمر البشير والذي حكم السودان منذ إنقلاب عام1989 تحت مسميات مختلفة آخرها' حزب المؤتمر الوطني' والذي لم يستطع الحفاظ علي وحدة أكبر بلد عربي وأفريقي رغم أنه توافرت له فرص عديدة لذلك. يقول يان ماثيو الناطق الرسمي بإسم الحركة الشعبية لقد اضطررنا اضطرارا ودفعنا دفعا للانفصال لم نكن نطالب به يوما لكن الحكومات المركزية وآخرها حكومة البشير لم تفعل شيئا للحفاظ علي وحدة البلد'وسيكون إعلان انفصال الجنوب كذلك فشلا لمشروع الحركة الشعبية الذي وضعه زعيمها الراحل الدكتور جون قرنق المعروف بإسم' السودان الجديد' والذي كان يدعو إلي إقامة سودان موحد علي أسس من العدالة والمساواة وقد تراجع كثيرا بعد موت صاحبه. ولن يكون إنفصال الجنوب خاتمة المطاف أو آخر تقرير مصير في السودان في ظل استمرار الظروف الراهنة.
و الجنوبيين يعلنون اليوم وهم بصدد إستقبال دولتهم الجديدة أنهم سيكونون دولة مسالمة محبة لجيرانها لها مصالح ومنافع مشتركة مع الجميع ومع الشمال علي وجه أخص وكذلك مع الدول العربية ودول جوارها الأخري في أفريقيا. وهذه الأحلام الطيبة الكبيرة قد تصادفها عقبات هائلة علي أرض الواقع وأولي هذه التحديات أن دولة الجنوب الوليدة المنتظرة ستبدأ تقريبا من الصفر لبناء وتعمير مساحة الجنوب التي تقدر ب700 ألف كيلومتر والتي تفتقد تقريبا إلي كل شيء كما سيكون عليه عبء أمني كبير ممثل في حماية حدود الجنوب مع الشمال الذي مازالوا ينظرون إليه بتوجس كبير والحدود معه هي أطول حدود في أفريقيا حيث تبلغ حوالي ألفي كيلومتر فضلا عن حدود أخري مع كل دول الجوار الجنوبية في أفريقيا علاوة علي مشكلة جيش الرب الأوغندي وحدود الجنوب مع دارفور. وفي ظل عدم حسم القضايا العالقة مع الشمال والتي سيكون هناك ستة أشهر أخري لحلها قبل الفصل الحقيقي للدولتين وستكون دولة الجنوب القادمة عرضة لكثير من الضغوط الإقليمية والدولية ومنطقة لتقاطع مصالح إقليمية ودولية عديدة, وسيظل الأمر في الجنوب كله مرهونا بالعلاقة بين جنوب السودان وشماله في حال الإنفصال كما تتوقف طبيعة هذه العلاقة( عداء أم حسن) جوار علي أمور كثيرة في شطري السودان الذي يبحث كل منهما الآن عن إسم وهوية ومكان علي خريطة عالمية تتواري فيها الكيانات الصغيرة وتتكتل فيها الدول وتتوحد.
الأربعاء ديسمبر 07, 2011 3:14 pm من طرف الصمت الحـزين
» فتاه عزباء تنام مع شاب ليله كامله فى غرفه واحده
الأربعاء ديسمبر 07, 2011 2:08 pm من طرف الصمت الحـزين
» انا جيييت نورت المنتدى
الأربعاء ديسمبر 07, 2011 2:01 pm من طرف الصمت الحـزين
» (ساقطون بالخط العريض)
السبت ديسمبر 03, 2011 6:51 pm من طرف الصمت الحـزين
» الْحَيــَـآهـ مَدْرَسَهْـ وَالْج ـــرْح أَحَد فُصُولَهَا
السبت ديسمبر 03, 2011 6:33 pm من طرف الصمت الحـزين
» النساء اولاً
السبت ديسمبر 03, 2011 6:22 pm من طرف الصمت الحـزين
» تمسك بخيوط الشمس
الأربعاء أغسطس 17, 2011 7:08 am من طرف admin
» بصمات تبكيني دما لا دمعا
الأربعاء أغسطس 17, 2011 7:04 am من طرف احساس طفلة
» قصة الفيلسوف والديك
الخميس يونيو 16, 2011 1:35 am من طرف admin